Monday, 23 September 2013

من يقف وراء الهجوم بالأسلحة الكيماوية الذي وقع في الحادي وعشرين من شهر آب/أغسطس؟

في ضوء تقرير الأمم المتحدة الذي صدر منذ بضعة أيام والذي أكد استخدام السارين في هجمات الحادي والعشرين من شهر آب/أغسطس قرب دمشق خطر ببالي أن ألقي نظرة على الأدلة التي تقدمها المصادر المفتوحة لتحديد الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات، والأدلة التي سأدرسها باستطاعة أي شخص دراستها على اعتبار أنها متوفرة مجاناً، ولن أعتمد على الأدلة التي قد تكون سفن التجسس الألمانية جمعتها أم لم تجمعها، ولا على التقارير الاستخباراتية التي يُقال أنها تحوي أدلة على استخدام السارين في الهجوم لكنها في الحقيقة لا تعرضها لنا. وأكرر القول هنا أن الأدلة لا ترقى إلى مستوى البرهان الدامغ، وبالتالي يعود الأمر إلى القارئ ليقرر إن كانت هذه المعلومات تثبت تورط أحد طرفي الصراع في الهجوم.

ارتبط نوعان من الأسلحة بالهجوم وهي قذيفة مدفعية من نوع M14 وعيار 140 ملم، وصاروخ مجهول سبق لي الحديث عنه.

قذيفة مدفعية من نوع M14 وعيار 140 ملم
الصاروخ المجهول الذي ارتبط بالهجوم الكيماوي المزعوم
توصّل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة إلى أن هذين السلاحين قد استخدما في الهجمات الكيماوية، إلا أن السؤال الذي يحتاج الإجابة عليه هو من استخدم هذه الأسلحة؟ في الحقيقة لم يسبق لي رؤية هذين السلاحين في أيدي قوات المعارضة السورية على مدى الثمانية عشر شهراً التي أمضيتها في مراقبة وتتبع الأسلحة والذخائر المستخدمة في الصراع الدائر، ولا أنفي امتلاك المعارضة سلاح المدفعية الصاروخية كراجمة الصواريخ المتعددة من نوع Type-63 من عيار 107 ملم، والراجمة الكرواتية من نوع RAK-12 وعيار 128 ملم، لكنّي لم أرى أية إشارات تدل على وجود أنظمة راجمات من عيار 140 ملم في أيدي المعارضة (كراجمة BM-14) التي تُستخدم لإطلاق قذيفة مدفع من نوع M14. يمكن الاطلاع على مزيد من التفاصيل عن القذيفة من نوع M14 ومنشأها في هذا الشريط الذي أعده معهد الخدمات الملكي المتّحد للدفاع والدراسات الأمنية (RUSI).


حتى اللحظة لا يوجد أي دليل على امتلاك المعارضة للصواريخ المجهولة أو للقذائف من نوع M14 أو أنها استخدمتها.

منذ شهر كانون الثاني/يناير 2013 ونشطاء المعارضة ينشرون صوراً وأشرطة تظهر فيها هذه الصواريخ المجهولة، ورافق معظم هذه الصور مزاعم بأن القوات الحكومية هي من استخدمت هذه الصواريخ، غير أن الشريط الأول الذي التقط في مدينة داريا غربي دمشق في الرابع من كانون الثاني/يناير 2013 لم يرافقه أية مزاعم باستخدام أسلحة كيماوية، وبعد دراسة هذه الصواريخ طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية توصلت إلى أن هناك نوعين منها على الأقل، أحدهما ارتبط بهجوم الحادي والعشرين من شهر آب/أغسطس وبهجمات كيماوية مزعومة أخرى وقعت من قبل, أما النوع الآخر فهو صاروخ شديد الانفجار سبق لي وتحدثت عنه في هذا المنشور.

من الجدير بالذكر أنه هذه الصواريخ المجهولة المرتبطة بالهجمات الكيماوية المزعومة قد تم توثيق استخدامها في هجوم كيماوي آخر على الأقل وذلك في مدينة عدرا قرب دمشق في الخامس من شهر آب/أغسطس، ويمكن للقارئ الاطلاع على مزيد من التفاصيل في هذا المنشور، ويُظهر شريط آخر التُقط في عدرا أيضاً في الحادي عشر من شهر حزيران/يونيو بقايا أحد هذه الصواريخ المجهولة الذي وُصف حينها بأنه "صاروخ كيماوي" إلا أنه لم يتم ربط هذه الصاروخ بهجوم كيماوي محدد، وبالنظر إلى ما قدمه تقرير الأمم المتحدة من معلومات بخصوص الهجوم الكيماوي في الغوطة أجد من الضروري إعادة دراسة بعض المزاعم السابقة عن هجمات كيماوية وقعت في سورية.

إن أحد الأمور التي ينبغي التشديد عليها هي أن الصواريخ المجهولة المرتبطة بالهجمات الكيماوية المزعومة هي صواريخ لم يسبق وشوهدت في أية صراع آخر وما يزال مصدرها مجهولاً حتى الآن مما دفع البعض إلى القول بأنها من صنع المعارضة، ويظهر في أحد الأشرطة التي انتشرت مؤخرا على نطاق واسع ما قيل إنها أسلحة كيماوية استخدمتها المعارضة، وحتى أن أخرين زعموا أن هذا السلاح هو الصاروخ المجهول الذي سبق ذكره رغم أن شكله مختلف تماماً.


إن السلاح الظاهر في الشريط السابق هو مدفع يطلق عليه اسم "مدفع جهنم" وهو نوع من أسلحة الهاون الشائعة تستخدمه المعارضة المسلحة، وقد تحدثت عنه بالتفصيل في منشور سابق وشرحت لماذا لا يمكن اعتباره سلاحاً كيماوياً كما يزعم البعض، إلا أن هناك نقطة أخرى في هذا المدفع أود تسليط الضوء عليها وعلى علاقتها بالصواريخ المجهولة المرتبطة بالهجوم الكيماوي المزعوم.

سبق لي وذكرت أن البعض زعموا أن الصواريخ المجهولة المرتبطة بالهجوم الكيماوي قد تكون صواريخ محلية الصنع صنعتها المعارضة، لكن بعد دراسة بنية كلا السلاحين وتركيبتهما نرى أن هناك اختلافاً كبيراً بينهما من حيث جودة الصنع وتعقيده.

عندما ظهر "مدفع جهنم" لأول مرة في أيار/مايو 2013 رافق ذلك نشر الشريط الترويجي التالي الذي يُظهر عملية التصنيع:


نرى في الشريط منصة الإطلاق وهي الجزء الأكثر تعقيداً نوعاً ما في هذا السلاح، أما القذيفة فهي عبارة عن أسطوانة غاز منزلية تم وصلها بعمود معدني يحوي جنيحات تعمل كمروحة للقذيفة، ثم تلا ذلك ملء الرأس الحربي-أي أسطوانة الغاز-بمتفجرات مصنوعة من الأسمدة ثم زُوّد الرأس بصاعق بسيط ينفجر عند الاصطدام. أما منصة الإطلاق فهي بسيطة وتتألف من أنبوب هاون صُمّم بطريقة تمنح السلاح ثباتاً وتوازناً، ويمكن مشاهدة عملية انتاج القذيفة الخاصة "بمدفع جهنم" في الشريط التالي الذي نُشر في الخامس من شهر آب/أغسطس.


نلاحظ في الشريط السابق إجراء بعض التحسينات على تصميم السلاح حيث أصبحت مروحة الذيل قابلة للتمدد، كما نرى عملية صنع عدد كبير من القذائف، ولو كانت هذه القذائف أسلحة كيماوية للاحظ البعض ذلك بسهولة، ويظهر في الشريط كم هو بسيط تصميم هذه القذائف كما هو الحال بالنسبة لجميع الأسلحة التي تصنعها المعارضة.

قمتُ في الأسابيع الثلاثة الماضية بجمع صور مفصّلة للصواريخ المجهولة المرتبطة بالهجمات الكيماوية المزعومة وحاولت فهم كيف صُنعت هذه الصواريخ وكيف تعمل، ومن الواضح أنها أكثر من مجرد خزان (أو برميل) صغير مثبت بصاروخ، وقد اشتمل التقرير الذي أعدّته منظمة هيومن رايتس ووتش (HRW) عن هجوم الحادي والعشرين من شهر آب/أغسطس على رسم بياني للصواريخ المجهولة الي يُزعم أنها استخدمت في الهجوم وقد ساهمت في إعداد هذا الرسم:


هناك الكثير من التفاصيل التي تشير إلى أن هذا الصاروخ أكثر تعقيداً من أسطوانة الغاز المثبتة على عمود معدني، فمثلاً يظهر هذا التعقيد في الطريقة التي صُمم بها الصاروخ، وهناك أدلة ومؤشرات على ذلك في الأشرطة والصور الكثيرة التي تَظهر فيها بقايا هذا الصاروخ. التقطت الصور التالية لأربعة صواريخ مجهولة مختلفة ويظهر فيها بقايا الغلاف الخارجي للرأس الحربي:


نلاحظ أن جميع الصواريخ تقريباً قد تم فلقها (أو صدعها) بنفس الطريقة تماماً، وهذا الشق (أو الصدع) موجود على طول الرأس الحربي ويبدو أن الهدف منه إضعاف الرأس الحربي لكي ينفتح وفقاً لهذا الشق وينطلق منه العامل الكيماوي، ولدينا مثال آخر يدل على أن هذه الصواريخ أكثر تعقيداً من "مدفع جهنم" والمثال هو الصاروخ نفسه كما هو واضح في الشريط التالي الذي يَظهر فيه أحد الصواريخ المجهولة من النوع الشديد الانفجار، حيث نرى أنه تم تصنيع غلاف الصاروخ بشكل منفصل بحيث يغلف الصاروخ بإحكام وأضيفت له أدوات تثبيت في طرفه لكي يتم وصله بالرأس الحربي بإحكام (لاحظ ذلك في الثانية 40 وما بعد في الشريط التالي).


ما رأيناه هو مثالين فقط عن نوعية أو كيفية تصميم هذه الصواريخ المجهولة حيث يتضح أنها أكثر تعقيداً من الأسلحة التي تصنعها المعارضة بنفسها مما يوحي بقوة بأنها من صنع الجيش النظامي أو أحد حلفائه. يمكن معاينة هذه الصواريخ بشكل أكثر تفصيلاً في هذا المنشور.

نُشر عدد من الصور والأشرطة التي يظهر فيها الأسلحة التي تستخدمها القوات الحكومية، ويظهر في الشريط التالي ما يبدو أنه نسخة أكبر حجماً من هذا الصاروخ المجهول أثناء تجهيزه وتحميله في منصة الإطلاق وأثناء عملية إطلاقه.


نرى في الشريط التالي ما قيل إنه عملية إطلاق أحد هذه الصواريخ المجهولة من محطة قطارات في حي القدم الدمشقي الذي يخضع لسيطرة القوات الحكومية.


ويَظهر بوضوح في الصور التالية المأخوذة من الشريط أن الصورة الجانبية للصاروخ تطابق نظيرتها في الصواريخ المجهولة.


أما هذه الصورة فيظهر فيها أحد الصواريخ المجهولة وهو محمّل في راجمة صواريخ وصفها خبير الأسلحة Nic Jenzen-Jones بأنها من نوع "فلق-2" وهي إيرانية الصنع، ويبدو أن المركبة التي ثُبتَت عليها الراجمة هي ذات المركبة الظاهرة في الصور الملتقطة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.


لقد تم تحديد الموقع الذي أطلقت منه أحد هذه الصواريخ بدقة واستنتجت مع عدد من الخبراء والمحققين أن الصاروخ أطلق من جهة الشمال حيث تقع القاعدة الصاروخية الخاصة باللواء 155 ومن مواقع أخرى شبيهة (يمكن الاطلاع عليها بشكل مفصل في هذا المنشور).

إن ما سبق يدل على أن القوات الحكومية كان بقدورها شن هذا الهجوم خصوصاً أنها سبق لها واستخدمت هذه الصواريخ المجهولة من قبل، أما بخصوص ما يقال عن ضلوع المعارضة في الهجوم فلا يوجد أدلة ملموسة تثبت ذلك، أضف إلى ذلك المزاعم التي تقول بأن الهجوم مُفبرك أو تلك التي تقول بأن الضحايا كانوا رهائن من الطائفة العلوية تم إحضارهم من مدينة اللاذقية إلى الغوطة بعد قطع مئات الأميال من المناطق التي إما تخضع لسيطرة الحكومة السورية أو تعتبر مناطق متنازع عليها, وهناك مزاعم بأن الهجوم وقع نتيجة حادث عرضي حيث انفجرت أسلحة كيماوية حصلت عليها المعارضة السورية عن طريق المملكة العربية السعودية, إلا أن صاحب هذه المزاعم لم يفسر لنا كيف لحادث من هذا النوع أن يؤثر في منطقتين منفصلتين تبعدان عن بعضهما عشرات الكيلو مترات, وزُعم أيضاً أن المعارضة السورية تمتلك السارين استناداً إلى تقارير من تركيا حيث وَردَت تقارير في أيار/مايو الماضي عن اعتقال أفراد من جبهة النصرة وبحوزتهم السارين, لكن تبين لاحقاً أن ما بحوزتهم كان مانع تجمد, وتتم الآن محاكمة بعض أفراد المجموعة على خلفية محاولتهم صنع السارين حيث ضبطت بحوزتهم قائمة تَسوّق تحوي المكوّنات التي يصنع منها السارين وليس السارين بحد ذاته. يبدو لي أن الأدلة على وقوف المعارضة وراء الهجوم هي أدلة واهية مقارنة بالأدلة التي تشير إلى مسؤولية القوات الحكومية عنه.

يمكن قراءة المزيد عن موضوع هجمات الحادي والعشرين من آب/أغسطس في هذا المنشور، كما يمكن قراءة المزيد عن الأسلحة الكيماوية في سوريا في هذا المنشور الذي يحوي أيضاُ مقابلات غنية بالمعلومات المفيدة أجريتها مع خبراء الأسلحة الكيماوية.

1 comment:

  1. لقد شد انتباهي أمر مهم في الأشرطة المصورة التي يتضمنها هذا المقال، الجنود و المقاتلون و التقنيون الذين يعملون على تجهيز هذه الأسلحة الكيماوية و إطلاقها لا يرتدون أقنعة واقية من الغاز أو ملابس واقية من خطر التعرض للغازات السامة وهذا أمر طبيعي عند استعمال الأسلحة الكيماوية أو تحضيرها لإطلاقها نحو أهداف عسكرية أو مدنية لأن التعامل هذه الأسلحة التي تحتوي غازات سامة يفترض الحصول على الحد الأدنى من الحماية عند تحضيرها أو استعمالها على أرض المعركة وهذا أمر بديهي لأن السلامة غير مضمونة مائة بالمائة عند استعمال الأسلحة الكيماوية، فقد يتعرض الجنود أو المقاتلون لإنفجار أو تسرب قد يكون سببه فشل اطلاق القذيفة. ما تفسير ذلك حسب رأيك؟

    ReplyDelete