Monday, 2 December 2013

سقوط بلدة اليعربية في أيدي تنظيم وحدة حماية الشعب الكردي (YPG)

مقدمة: ترسيخ الأزمة

برَزَتْ بلدة اليعربية-وهي بلدة صغيرة تتبع لمحافظة الحسكة شمال شرقي سورية-إلى الأضواء بعد سقوطها بيد "وحدة حماية الشعب الكردي" الذي يُعرف اختصاراً ب (YPG)، ويتبعُ هذا التنظيم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD). وقد أتت سيطرة التنظيم الكردي على هذه البلدة بعد طرده لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المرتبط بالقاعدة، وكذلك طردِهِ لمجموعات أخرى من المقاتلين.

إن الشيء المؤكد هنا هو أن السيطرة على بلدة اليعربية-لو نظرنا إليها من منظور واسع – لوجدنا أنها لا تمثل نقطة تحول حاسمة في الصراع الدائر بين تنظيم وحدة حماية الشعب وفصائل المعارضة المسلحة، بل يمكن اعتبارها خطوة إضافية نحو النتيجة النهائية الأكثر ترجيحاً، ألا وهي تعزيز كل من الأطراف المتنازعة لمواقعها الحالية.

وعلى العموم، منذ اتساع رقعة الصراع بعد انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من بلدة رأس العين في شهر تموز/يوليو، قامت وحدة حماية الشعب بالاحتفاظ بمعاقلها في محافظة الحسكة التي يشكل فيها الأكراد سلسلة من المناطق المأهولة بالسكان، وراحت توسع من سيطرتها على المنطقة بدرجة متزايدة.

وأما بلدة رأس العين، فقد فشلت جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام في التقدم داخلها وذلك منذ شهر تموز/يوليو رغم المحاولات المتكررة، وكان جل ما استطاعوا فعله هو استهداف مركز البلدة بقذائف الهاون.

لكن في المقابل، تَعرّضَ تنظيم وحدة حماية الشعب لخسائر فادحة في محافظتي حلب والرقة حيث يشكل الأكراد تجمعات صغيرة من السكان، فقد لحقت بهم خسائر كبيرة قبيل أن يتم طردهم من بلدة تل أبيض الواقعة شمال الرقة على الحدود مع تركيا في شهر آب/أغسطس.

الوضع في اليعربية:

إن لبلدة اليعربية أهمية خاصة عندما نأتي على تحليل الوضع في المنطقة، فقبيل وقوعها في أيدي وحدة حماية الشعب، كانت البلدة خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة ومجموعتين أخريين هما أنصار الخلافة ولواء التوحيد والجهاد.

لا بد من التعليق هنا على العلاقة بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في هذه المناطق الحدودية الشرقية، وهو أن الحدود الفاصلة بينهما لا تزال غير واضحة.

تبين الأدلة المصوّرة أدناه أن شعارات جبهة النصرة التي كُتبت على الجدران لم يتم محوها إلى الآن، غير أنه وبعد هجوم وحدة حماية الشعب على البلدة انتشرت صور للعربات التي غنمها الأكراد وعليها راية الدولة الإسلامية. ومما لا شك فيه أن تنظيم وحدة حماية الشعب لا يُفرق بين هذين التنظيمين ولا بين راية كل منهما، ويتطابق هذا مع ما أوردته تقارير من مصادر جهادية بخصوص منطقة اليعربية.


قد لا يدعو للاستغراب غياب الحدود الواضحة بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في هذه المناطق الحدودية، خصوصاً أن المجاهدين السوريين والأجانب على حد سواء في سورية من الطبيعي أن يربطوا كفاحهم في شرق سوريا بمظاهرات العراقيين والمسلحين السنة في محافظتي الأنبار ونينوى في العراق وأن يروا فيها قضية واحدة.

الصورة 1: مدخل السوق في اليعربية، حيث كُتبت شعارات جبهة النصرة على الجدران إلى يمين الصورة (راجع هذا الفيديو في حوالي الدقيقة 1:30)
الصورة 2: عربة غنمها مقاتلو وحدة حماية الشعب وعليها شعار الدولة الإسلاميةنُشرت الصورة بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر.
 
الصورة 3: صورة وُضعت من قبل مقاتل كردي من وحدة حماية الشعب ويساوي فيها بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية معتبرا أنهما كيان واحد.

وقد أجرينا مقابلة مع مصدر مؤيد لتنظيم الدولة الإسلامية ٍفي الحسكة قبل كتابة هذا المقال وقد قال إن أنصار الخلافة ولواء التوحيد والجهاد متحالفان مع الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، غير أن لواء التوحيد والجهاد كان عبارة عن كتيبة صغيرة جدا في بلدة اليعربية. وأضاف المصدرالذي قابلناه أن هذه البلدة كانت تؤوي لواء أحرار الجزيرة، وهو مجموعة من مقاتلي التمرد الذين يتبعون لقبيلة محلية من قبائل شمر العربية المحلية، وأضاف أنه تم طرد هذا اللواء من اليعربية في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر بعد أن وُجهت له تهم بالفساد من قبل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية. وبعد ذلك تم خفض سعر الدقيق الذي يوزع على السكان المحليين وذلك لتعزيز السيطرة على البلدة.

الصورة 4: صورة لأحد مقاتلي أنصار الخلافة عند بوابة معبر اليعربية الحدودي في 26 تشرين الأول/أكتوبر، وقد سقطت البلدة في أيدي وحدة حماية الشعب في نهاية ذلك اليوم. تجدر الإشارة إلى أن عدة تنظيمات في سوريا تستخدم اسم أنصار الخلافة. هذه المجموعة في اليعربية التي تمتد إلى منطقة القامشلي تختلف عن تنظيم أنصار الخلافة في محافظة حلب التابعة لحزب التحرير.

الصورة رقم 5: مقاتلو لواء التوحيد والجهاد في بلدة اليعربية في 26 تشرين الأول/ أكتوبر ويظهر أنهم لم يتم إخراجهم من البلدة حتى هذا التاريخ.

إن أحد أبرز الروايات التي تداولها مناصرو الدولة الإسلامية عقب سقوط بلدة اليعربية هي نظرية "الخيانة"، ويقصدون بها التعاون الذي تم بين رجال القبائل المحلية والجيش العراقي التابع لحكومة نوري المالكي ونظام بشار الأسد.

بالرغم من أن لواء أحرار الجزيرة لم يشترك في القتال للسيطرة على البلدة ونشره لبيان على موقع الفيسبوك بُعيد سقوط اليعربية يستنكر فيه وجود الجيش العراقي في البلدة، إلا أن تقريرا نشره موقع روداو (Rudaw) الكردي العراقي-والذي أكده مصدرنا المحلي في الحسكة – ذكر أن لواء أحرار الجزيرة حاول أن يتواصل مع وحدة حماية الشعب للتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة في البلدة.

الصورة 6: صورة نشرها لواء أحرار الجزيرة ويظهر فيها حسب زعمهم عربات للجيش العراقي في اليعربية، غير أنها في الواقع تعود لوحدة حماية الشعب.
في المقابل، كان مقاتلو الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وأنصار الخلافة ولواء التوحيد والجهاد على مشارف البلدة في محاولة لاستعادة السيطرة عليها، بدعم من حركة أحرار الشام السلفية التي أطلقت قذائف الهاون على وحدة حماية الشعب حيث تتهم هذه الحركة التنظيم الكردي بأنه من "عملاء" إيران والأسد وإسرائيل.

إن هذا يعكس التوجه العام والذي بموجبه فإن كتائب الثوار الحسنة التنظيم–سواء كانت تابعة للجيش السوري الحر أو التحالفات الإسلامية– لا يمكن أن تقف مع تنظيم وحدة حماية الشعب ضد الدولة الإسلامية، فغالبية قوات التمرد التي تقاتل نظام الأسد ترى في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والأكراد عموماً كأحد التنظيمات العميلة للنظام. غير أن التوصيف الأكثر دقة هو أن هذا الحزب الكردي مصمم على التمسك بالمناطق الكردية على الأقل، ولهذا الغرض فأنه مستعدة للتعاون أو للقتال مع أي جهة كانت، سواءً تتبع للنظام أو الثوار وفقاً للظروف التي يفرضها الواقع الحالي.

في كل الأحوال، السكان المحليون والمدنيون الآخرون – حتى من العرقية العربية – يختلفون عن كتائب الثوار الحسنة التنظيم في أنهم قد يفضلوا سيطرة وحدة حماية الشعب على البلدة باعتبار ذلك أخف الضررين، إلى درجة أن وحدة حماية الشعب ساعدت على تشكيل تنظيم عسكري يحمل اسم "كتائب المواطنين العرب".

قد يكون الأهم من ذلك كله هو مسألة الدور الذي لعبته الحكومة العراقية. مما لا شك فيه أن الجيش العراقي قد عزز من قواته على الجانب الخاص به على الحدود مع سورية، غير أنه لا يوجد دليل على أنه قدم مساعدة عسكرية فعالة لوحدة حماية الشعب. كما لا يوجد دليل على أن قوات الأسد ساعدت وحدة حماية الشعب في معركة اليعربية، بالرغم من السرور الواضح الذي أظهرته قناة "سما" الفضائية الموالية للأسد بعد سيطرة وحدة حماية الشعب على البلدة.

الصورة 7: لقطة من فيديو تتداوله مواقع جهادية يزعم أنه يُظهر عربة للجيش العراقي من نوع همفي على الجانب العراقي من الحدود قبالة اليعربية.
على الأرجح كان هدف الجيش العراقي هو منع مقاتلي الدولة الإسلامية بصفة خاصة من التسلل إلى محافظة نينوى التي -كما أظهر تقرير من صحيفة "العالم" الصادرة في بغداد – اعتاد مقاتلو الدولة الإسلامية على اللجوء إليها تفادياً للهزيمة أمام مقاتلي وحدة حماية الشعب و/أو قوات النظام كونها نقطة انطلاق للعودة إلى سوريا. إن مدينة الموصل بشكل خاص – حيث يوجد فيها شبكة واسعة للتمويل – تعد بمثابة قاعدة مناسبة تستجمع فيها الدولة الإسلامية قواها. مما لا شك فيه أن وحدة حماية الشعب لديها مصلحة كبيرة في منع مقاتلي الدولة الإسلامية من امتلاك المعابر الحدودية والتي من خلالها يمكن أن تتراجع إلى العراق لبدء هجمات جديدة باتجاه المناطق الكردية في سوريا

بلدة اليعربية والتنافسات الكردية

لا يثير استغرابنا أن هذا التوافق في المصالح بين وحدة حماية الشعب والحكومة العراقية قد جلب الثناء لبغداد من قِبل بعض الرموز الكردية السورية. على سبيل المثال، شيلال كيدو – وهو عضو في المجلس الكردي السوري – صرح لأخبار قناة السومرية العراقية أن الاستيلاء على اليعربية شكل نقطة تحول للأفضل في العلاقات بين أكراد سوريا والعراق.

في الآن ذاته، نفى عضو في مجلس كردستان الغربية (لاحظ أن كردستان الغربية يقصد بها كردستان سوريا) تقديم القوات العراقية مساعدة فعلية في السيطرة على اليعربية. في كل الأحوال، إن التوقعات الإيجابية للتوافق في المصالح بين بغداد ووحدة حماية الشعب تتعارض مع التوترات بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحكومة إقليم كردستان العراق التي يترأسها مسعود البرزاني، والذي تم النظر لعلاقاته مع تركية بكراهية شديدة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي. إن حزب الاتحاد الديمقراطي يزعم أن أنقرة تقدم الدعم للجهاديين ضد أكراد سوريا. كما أن بعض قادة وحدة حماية الشعب قد أعربوا عن استيائهم بسبب النقص الملموس في الدعم المقدم من أربيل فيما يتعلق بالمعركة ضد الجهاديين في بلدة اليعربية.

لم تحقق معركة اليعربية الوحدة السياسية بين الفصائل الكردية في مواجهة تهديد مشترك، بل إن قضية اليعربية قد تساهم فعلياً في تعزيز الانقسامات بين الأكراد وعرقلة الاندماج الذي كثيرا ما تم الترويج له بين كردستان سوريا والعراق.

في الحقيقة، من الواضح أن وحدة حماية الشعب في صراعها مع الجماعات الثائرة الأخرى ساهمت في تعزيز صورة حزب الاتحاد الديمقراطي بوصفه حام ٍ للأكراد في سورية، وذلك على حساب الفصائل الكردية المنافسة الأخرى.

أصدرت وحدة حماية الشعب مؤخرا بيانا اتهمت فيه فصائل عديدة بالاعتداء على المناطق التابعة لها، ومن بينها الفصائل التي اعتادت على توجيه التهم إليها كالدولة الإسلامية وحركة أحرار الشام ولواء التوحيد (الذين أصدروا بياناً مشتركاً في شهر آب/أغسطس يدعو إلى استئصال حزب العمال الكردستاني ووحدة حماية الشعب من الطريق السريع الواصل بين منبج والحسكة)، وكما وَجّهت التهمة إلى الجبهة الإسلامية الكردية ولواء صلاح الدين الكردي.

إن الجبهة الإسلامية الكردية هي جماعة سلفية تقاتل إلى جانب الدولة الإسلامية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي وتدير عددا من المدارس الشرعية في حلب ومناطق أخرى. كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني في العراق قد أكد أن ثلاثين كرديا عراقيا من السليمانية ذهبوا لينضموا إلى صفوف جبهة النصرة والدولة الإسلامية. واتهم حزب الاتحاد الديمقراطي العام الماضي لواء صلاح الدين بتنسيق هجوم مع جبهة النصرة في منطقة كردية في حلب

الصورة 8: شعار الجبهة الإسلامية الكردية.

على المستوى السياسي، إن التابعين للمجلس الوطني الكردي-الذي يعد منافساً لحزب الاتحاد الديمقراطي– قد تأذوا بسبب تعاونهم مع تحالف المعارضة السورية المقيم في المنفى، والذي أصدر بيانا بعد الاستيلاء على اليعربية أدان فيه وحدة حماية الشعب لطردها الجيش السوري الحر من البلدة (بالرغم من عدم وجود مجموعات من الجيش السوري الحر في البلدة عند سقوطها بيد وحدة حماية الشعب) بمساعدة الجيش العراقي المزعومة. إن هذا الانعزال عن الواقع يمكن أن يجعل المجلس الوطني الكردي غير جدير بكسب دعم الأكراد في سورية.

باختصار إن قضية اليعربية تعكس الانقسامات المتزايدة والتنافس، ليس فقط بين وحدة حماية الشعب والثوار الآخرين، ولكن أيضا بين الفصائل السياسية الكردية في سوريا والعراق. وإن من شأن هذه الأحداث أن توضح بشكل أكبر أن دور الأيديولوجيا السياسية في الصراع السوري لا يمكن اختصارها والتقليل من شأنها، فتحليل مجريات الصراع لا يمكن أن تختزل في مسألة العرق أو من لديه المال والسلاح.