Tuesday, 19 November 2013

"الإعدامات التي نفّذها حزب الله" وإثبات ضلوع الميليشيات الشيعية في تنفيذها

كتبَ المنشور ضيفُ المدوّنة فيليب سميث Philip Smyth)) الذي يكتب في موقع Jihadology.net. ننوّه أن الصور والأشرطة في هذه المنشور تحوي مشاهد مؤلمة.

صورة: صور لضحايا الإعدامات الميدانية التي نفذها حزب الله ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.


في الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2013، نشر موقع NewLebanon.infoوهو موقع إخباري، شريطاً مصوراً قيل أنه يُظهر أفراداً من حزب الله اللبناني المدعوم من إيران وهم يعدمون جرحى بعد أن سحبوهم من الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة، وأُفيد أن هؤلاء الجرحى سوريون وقد يكونون من المتمردين الذين وقعوا في الأسر.

تَسبّبَ الشريط المصوّر بحدوث جدل بين الجمهور والناشطين على حد سواء في لبنان وسورية وفي الشرق الأوسط عموماً والدول الغربية. وقد التزم حزب الله الصمت بشأن هذه الموضوع، غير أن أحد المتحدثين باسمه قال بأن الحزب سينظر في هذه المسألة، وبالرغم من توجيه الاتهام لحزب الله بتنفيذ هذه الإعدامات بالإضافة إلى نشر تسجيلات صوتية تُبيّن أن من نَفّذ هذه الإعدامات لبنانيون -وذلك استناداً إلى لكنتهم خلال حديثهم عن المعتقدات الدينية للحرس الثوري الإيراني (التي تشكل أساساً مهماً لمعتقدات الحزب)، -إلا أنه كان لا يزال بإمكان حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى إنكار ضلوعهم في تنفيذ عمليات القتل هذه.

غير أنّي بعد معاينة وتحليل الصفحات الخاصة بالطائفة الشيعية على مواقع التواصل الاجتماعي خطر ببالي المثل القائل "رُبّ صورة أغنَتْ عن ألف كلمة" وذلك فيما يتعلق بالشريط الذي تَظهر فيه عمليات الإعدام، فقد نُشرت صورة تُبيّن أن الرجال الذين تم قتلهم في الشريط المصوّر هم في الحقيقة الرجال عينهم الذين يظهرون في صورة أخرى (الصورة الأولى في المنشور) نُشِرت بواسطة صفحة بارزة خاصة بالشيعة في موقع الفيسبوك، وهي صفحة تروّجُ لما يُسمى "المقاومة الإسلامية"، وهو مصطلح يُطلق على الجماعات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران والتي يتبع لها مكاتب لتجنيد المقاتلين في العراق وإيران، كما أن هذه الصورة أكثر دقّة من الشريط المصور، ومما يزيد من مصداقيتها هو أنها نُشرت في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2013، أي قبل نشر الشريط بأسبوع، أي أنها لم تُأخذ من الشريط المصوّر.


أحد الرجال القتلى في الصورة، وأول من سُحب من الشاحنة في الشريط المصور يرتدي سروالاً فضفاضاً أحمر اللون، ويظهر في الشريط عملية إعدام رجل آخر يرتدي قميصاً أبيض مغطى بالدماء، كما أن الصورة تُظهر بأن هذا الرجل قد وُضع في كومة من جثث القتلى الآخرين. وهناك رجل آخر يرتدي سترة صوفية مخططة وقد سُحب من الشاحنة في الثانية 0:48 من الشريط المصور وأعدم بطلقتين في رأسه ويمكن بسهولة ملاحظة التهشم في جمجمته في كلا الشريط المصور والصورة.

صورة: الرجل الذي يرتدي السروال الفضفاض الأحمر. (الصورة مُلتقطة من الشريط المصور)
صورة: الرجل الذين يرتدي القميص الأسود مستلقياً على ساقي الرجل ذو السروال الفضفاض الأحمر. (الصورة مُلتقطة من الشريط المصور)
صورة: الرجل المقتول الذي يرتدي قميصاً أبيض اللون ملطخاً بالدماء. (الصورة مُلتقطة من الشريط المصور)
صورة: الرجال القتلى والذين أعدموا مُلقون بنفس الوضعيّة الظاهرة في الصورة العالية الدقة في الأعلى. (الصورة مُلتقطة من الشريط المصور)
عندما سَأل أحد المتابعين للصفحة عن سبب نشر مثل هذه الصور المؤلمة، رد عليه المشرف على الصفحة قائلاً إن هذا هو المصير الذي يلاقيه كل من يتجرأ على "الإساءة إلى السيدة زينب". كما أن عضواً أخر في الصفحة المؤيدة للشيعة رد قائلاً بأن عمليات الإعدام هذه ما هي إلا نتيجة للدفاع عن النفس.

يَزعم مديرُ الصفحة أنه يقيم في طهران وأن الصفحة التي يديرها مركزها في العراق، ويُعرف بنشره لصور تدعم قضية كتائب حزب الله العراقية و عصائب أهل الحق و كتائب سيد الشهداء وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران الذي يؤمّن إرسال المقاتلين الشيعة الأجانب إلى سورية. وقد تم تداول صور ضحايا الإعدامات على نطاق واسع في أوساط هذه المجموعات وهو ما يوحي بوجود ارتباط رسمي بين مدير الصفحة وهذه المجموعات المسلحة.

بعد معاينة قرابة ثمانين صفحة مؤيدة للشيعة ومنشوراتها التي نُشرت بين الخامس عشر من شهر آب/أغسطس والثالث والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر، تبيّن أن صفحة الفيسبوك التي سبق وذكرتها قد انفردت بنشر هذه الصورة (الصورة الألى في المنشور). أضف إلى ذلك أن الصفحات المؤيدة للأسد والتي تُدار بشكل مباشر من أنصاره لم تَنشر هذه الصورة، وما يُلفت النظر هنا هو عدم وجود علامة مائية على الصورة مما قد يشير بأن الصورة ربما أخذت من موقع الكتروني آخر أو من مصدر آخر.

إلا أنه تم تداولُ صور لضحايا الإعدامات في مواقع أخرى على الشبكة قبل نشر الشريط المصور وقبل نشر هذه الصورة على مواقع التواصل المؤيدة للميليشيات الشيعية. وفي الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر نشر موقع Bousla.net منشوراً يظهر فيه هؤلاء الرجال القتلى، وزَعَم الموقع حينها أن القتلى كانوا يتبعون لتنظيم "لواء الإسلام" السّلفي، كما زَعَم الموقع المذكور أن الرجال القتلى سقطوا في كمين نُصب لهم في الغوطة الشرقية قرب دمشق، ويُضاف إلى ذلك ادعاء "لواء ذو الفقار" بأنه هو من قاد الهجوم، وهي ميليشيا شيعية تقاتل في سورية أتى معظم مقاتليها من المجموعات العراقية التي ذُكرت سابقاً وتعمل جنباً إلى جنب مع حزب الله اللبناني. غير أنه في وقت لاحق أعيد نشر هذه الصور على موقع LiveLeak وأضاف من نَشرها أن الرجال القتلى في الصورة كانوا "قرب الحدود الأردنية وهو المكان الذي تمول فيه وكالة المخابرات الأمريكية المركزية (CIA) والمخابرات السعودية والأردنية المتمردين وتدربهم-اقتباس حرفي".

صورة: ثلاث من الصور التي نشرها موقع Bousla.net وتظهر بوضوح الرجال الذين أعدموا في الشريط المصور.

إن أكثر ما يلفت الانتباه بخصوص الشريط المصور والصور التي نشرتها المواقع الإخبارية هو أن المصدران اللذان سُربت إليهم هذ الصور والشريط المصوّر يصفان نفسيهما بأنهما مواقع إخبارية لبنانية "مستقلة" (على خلاف ما يُقال عن المواقع الإخبارية العراقية والإيرانية والسورية والعربية)، إلا أن معظم الأخبار التي ينشرانها مقتبسة من مواقع أخرى وكما أن عدد زوارها أقل بكثير مقارنة بوسائل الإعلام اللبنانية. وما يدعو للدهشة هو قيام موقع Bousla.net بنشر مقال يزعم فيه أن الشريط المصور مفبرك وأنه ليس لحزب الله دور في عمليات القتل، كما أن الموقع المذكور لم يشر إلى وجود صلة بين الصور الأصلية والشريط المصور.

صورة: الصورة التي تستخدم كشعار من قبل صفحة الفيسبوك التي نشرت صورة عمليات الإعدام التي نحن بصددها. تحمل الصورة عنوان "المقاومة"، والشعارات في الصورة هي شعارات (من اليسار إلى اليمين) عصائب الحق، حزب الله اللبناني، كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، ويظهر في الصورة القبة الذهبية لضريح السيدة زينب الموجود في دمشق، كما يظهر في يسار الصورة القائد الإيراني الأعلى أية الله الخامنئي.
إن تواريخ نشر هذه الصور ودقتها العالية (مقارنة بالشريط المصور) والمواقع التي نشرتها وظهور جثث القتلى ذاتها يدل بما لا يدع مجالاً للشك بأن مجموعة مسلحة شيعية هي من نفذ عمليات الإعدام. كما أن نشر الصور وتسريب الشريط المصور الخاص بعمليات الإعدام كلها تدل على حملة إعلامية جديدة منسقة بعناية هدفها إرسال رسالة إلى قوات التمرد في سوريا مفادها أن المجموعات المسلحة المدعومة من إيران سوف تلجأ إلى اتباع طرق وحشية لكي تنتصر في الصراع الدائر في سورية.

Wednesday, 6 November 2013

دراسة للأحداث في مدينة اعزاز – نظرة عن كثب على سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام على المدينة

كتبَ المنشور ضيفُ المدوّنة أيمن جواد التميمي

بَرزتْ مدينة اعزاز التابعة لمحافظة حلب والواقعة قرب الحدود التركية إلى واجهة الأحداث بعد الاشتباكات التي وقعت في المدينة بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وكتيبة "عاصفة الشمال" المنضوية تحت راية الجيش الحر، وفيما يلي القصة الكاملة وراء النزاع الذي وقع في المدينة.

شهدت مدينة اعزاز أولّ ظهور لتنظيم الدولة الإسلامية في أوائل شهر تموز/يوليو، وسبق لي وتحدثت بالتفصيل عن توسع الدولة الإسلامية في المناطق الريفية في الشمال السوري وركّزتُ بوجه خاص حينها على المناطق الحدودية، وكانت مدينة اعزاز قد شهدتْ في ذلك الشهر مظاهرات بعضها مؤيد وبعضها معارض لنيّة الدولة الإسلامية إنشاء مقرات لها في المدينة.

أنشأ نشطاء المدينة والمقربون منهم عدداً من الصفحات على موقع فيسبوك ومن بينها صفحتان تحملان الاسم "شباب حلب اعزاز"، أحد هتين الصفحتين تعرف اختصاراً ب (SHA) التي طالما عارضَتْ تواجد الدولة الإسلامية في المدينة غير أنها حُذفتْ فيما بعد، أما الصفحة الأخرى فاتسم موقفها بالغموض، وهناك صفحات أخرى تحمل اسم "أحرار اعزاز" و " مركز اعزاز الإعلامي".

في بادئ الأمر وضعت المجموعتان الأخيرتان شعار الدولة الإسلامية على صفحاتهما، غير أنهما أزالتا الشعار مؤخراً بعد الاتهامات الكثيرة التي وُجهت إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وفي مقابلة أجريتُها مع المشرفين على صفحة "شباب حلب اعزاز" المناهضة لتنظيم الدولة الإسلامية سألتهم عن وجود شعار التنظيم على صفحتي "أحرار اعزاز" و "مركز اعزاز الإعلامي" وعمّا إذا كان هذا يعني تعاطف الصفحتين مع تنظيم الدولة الإسلامية، غير أنهم نفوا وجود هذا التأييد وأكدوا أن "90% من السكان لا يعرفون معنى هذا الشعار".

بالرغم من أني أشكّ في صحة المزاعم القائلة بعدم معرفة المشرفين على صفحتي "أحرار اعزاز" و "مركز اعزاز الإعلامي" معنى هذا الشعار إلا أنهم قد لا يكونوا بالضرورة مؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية، كما أنهم في ذات الوقت لم يعارضوا في بادئ الأمر دخول التنظيم إلى المدينة.

في الحقيقة قامت صفحة "أحرار اعزاز" في الحادي والثلاثين من شهر تموز/ يوليو بوضع تصريح على صفحتهم كان قد نُشر على صفحة "مركز اعزاز الإعلامي"، وورد فيه "نحن صفحة مركز اعزاز الإعلامي نعلن أننا لسنا مرتبطين بأي لواء أو كتيبة." وباختصار نستطيع القول بأن مدينة اعزاز عموماً كان لها مواقف متباينة إزاء دخول تنظيم الدولة الإسلامية أوّل مرة في شهر تموز/يوليو كما هو الحال بالنسبة لمدن وبلدات أخرى في حلب كمدينتي الباب ومَنبجْ.

في بادئ الأمر أخبرني النشطاء المشرفون على صفحة "شباب حلب اعزاز" أن تنظيم الدولة لم يكن له "وجود عسكري" في المدينة، بل أن المدينة كان فيها مكتب للخدمات حيث تم تكليف أفراد التنظيم بمسؤوليات توفير المأوى والعلاج لسكان المدينة، كما أنهم استخدموا هذا المكتب كوسيلة لنشر الدعوة بين السكان المحليين.

لم يكن مفاجئاً تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من وضع قدم لها في المدينة في بادئ الأمر من خلال توفير الخدمات للسكان، وكما وثّقتُ في أمكنة أخرى يتميز تنظيم الدولة الإسلامية عن غيره من فصائل المعارضة بمقدرات مالية كبيرة تمكنه من تقديم المعونات للسكان المحليين رغم أن هذا الدعم لا يرقى إلى المستوى الذي تقدمه جبهة النصرة وهي أحد أفرع تنظيم القاعدة في سورية.


إنّ استراتيجية حصد الدعم من خلال نشر الدعوة هي أحد التكتيكات الرئيسية التي تنتهجها الدولة الإسلامية في العراق والشام، فعلى سبيل المثال نرى في الأسفل مشهدين لحلقات نشر الدعوة التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية، أحدها في مدينة منبج التابعة لمحافظة حلب، والأخرى في مدينة الرقة. وفي شهر رمضان أجرى تنظيم الدولة مسابقات في تلاوة القرآن الكريم والسنة النبوية، وفي أواخر شهر آب/أغسطس نُشرتْ صورة لتنظيم الدولة الإسلامية كانت قد التُقطت في مكتب الدعوة التابع لها في مدينة اعزاز، ويظهر في الصورة مسابقة في تلاوة القرآن الكريم (الصورة رقم 3).

الصورة 1: أحد حلقات الدعوة التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة منبج في أواخر شهر أيلول/سبتمبر

الصورة 2: لقطة لأحد حلقات الدعوة التي نظمتها الدولة الإسلامية بجانب مجسّم لقلعة في مدينة الرّقة، واللقطة مخةذة أخوذة من شريط مصور نشره موقع "الإتسام" وهو أحد الوسيلتين الإعلاميتين الرسميتين التابعتين لتنظيم الدولة الإسلامية، والموقع الآخر يحمل اسم "الفرقان".
الصورة 3
ويبدو أنه طالما اقتصر تنظيم الدولة على ترسيخ وجوده في اعزاز من خلال نشر الدعوة فَلم يٌسجل وقوع صدامات كبيرة في المدينة بين أفراد التنظيم ولواء "عاصفة الشمال" اللذان تعاونا على السيطرة على مطار "منّغ" العسكري عندما شن مقاتلو الدولة الإسلامية الهجوم الحاسم على المطار المذكور. وقد علمتُ من خلال النشطاء أن الوجود العسكري للدولة الإسلامية حصل بعد إرسالها لتعزيزات إلى المدينة بعد "وقوع المشكلة" وهي خلاف وقع في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر بينها وبين لواء "عاصفة الشمال" وكان سبب الخلاف حينها طبيب ألماني يعمل في المدينة.

بحسب أنصار الدولة الإسلامية كان هذا الطبيب في الحقيقة يعمل كجاسوس ويلتقط الصور لمقرات الدولة الإسلامية في المدينة، وقد زعم مقاتلو لواء "عاصفة الشمال" أنهم لم يكتفوا بمساعدة الطبيب الألماني في التقاط الصور والهروب بل أنهم قتلوا مقاتلَيْن من الدولة الإسلامية أثناء محاولتهما اعتقال الطبيب.

من الجدير بالذكر أن المستشفى المحلي في اعزاز أصدر بياناً بُعيد اندلاع الاشتباكات في المدينة ونفى فيه ان يكون الطبيب الألماني قد التقط صوراً لمقرات تنظيم الدولة الإسلامية، وأكدوا أنه عمله اقتصر على التقاط صور للمرضى الذين يُعالجون في المستشفى.

وقد ذهب البيان في وصف كيف دخل مسلحو الدولة الإسلامية إلى المستشفى مطالبين بتسليم الطبيب الألماني، وورد في البيان أنه "عندما رفض العاملون والأطباء في المستشفى تسليم الطبيب فتح مسلحو الدولة الإسلامية النار على الأطباء والأشخاص ودبّوا الرعب في المستشفى، وحينئذ أتى إليهم أحد المدنيين المرضى وقال لهم: ‘كيف تطلقون النار علينا وكلنا مسلمون؟’، إلا أنهم ردّوا قائلين: ‘أنتم كلاب كفَرة’ وقاموا بإطلاق النار على صدره وكانت المسافة التي تفصل بينهما لا تتجاوز المترين."

ومهما يكن الأمر واصل تنظيم الدولة الإسلامية إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى المدينة في الثامن عشر من شهر أيلول/سبتمبر وبعدها اقتحم مقاتلو الدولة مقرات لواء "عاصفة الشمال" وأسروا العشرات من مقاتلي اللواء، وقد تزامن ذلك مع اغتيال التنظيم لمدير المكتب الصحفي التابع للواء "عاصفة الشمال" واسمه حازم عزيزي وأسروا الطاقم الذي كان يعمل في مركز اعزاز الإعلامي، أما لواء "عاصفة الشمال" فاستقبل تعزيزات من مقاتليه الذين كانوا متواجدين في أماكن أخرى بالإضافة إلى تعزيزات من مقاتلين من بعض كتائب الجيش الحر الأخرى أبرزها لواء التوحيد الذي دخلت قيادته إلى المدينة للتفاوض للوصول إلى تسوية بين تنظيم الدولة ولواء "عاصفة الشمال".

وعلى العموم للواء التوحيد في محافظة حلب علاقة جيدة مع تنظيم الدولة حيث وقع الطرفان على بيان مشترك في شهر آب/أغسطس في مدينة جرابلس شجبوا فيه حزب العمال الكردستاني (PKK) بوصفه عميلاً لنظام بشار الأسد ودعوا إلى تطهير الطريق السريع الواصل بين مدينتي منبج والحسكة من حواجز حزب العمال، ويذكر أن هذا الحزب يُعتبر رديفاُ لأكبر الأحزاب الكردية في سورية وهو حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). وكمثال على العلاقة بين تنظيم الدولة الإسلامية ولواء التوحيد نرى في الصورة في الأسفل مصارعة وديّة بالأيدي بين أحد المهاجرين من تنظيم الدولة وبين مقاتل من لواء التوحيد كجزء من يوم مرح عائلي نظّمته الدولة الإسلامية في مدينة حلب.

الصورة 4: مصارعة بالأيدي بين تنظيم الدولة ولواء التوحيد في حلب
بالرغم من ورود تقارير من النشطاء المحليين تفيد بانهيار المفاوضات بين لواء التوحيد وتنظيم الدولة الإسلامية بحدود الساعة الخامسة من مساء التاسع عشر من شهر أيلول/سبتمبر إلا أن لواء التوحيد نجح في نهاية المطاف في التوصل إلى تسوية بين تنظيم الدولة ولواء "عاصفة الشمال" نَصّت على سحب الدولة الإسلامية لمقاتليها من مقرات لواء "عاصفة الشمال" في غضون أربع وعشرين ساعة، وأن تُحال جميع الخلافات بين الطرفين إلى الهيئة الشرعية في حلب وأن يتولى لواء التوحيد تطبيق وقف إطلاق النار من خلال نصب الحواجز في مدينة اعزاز للحيلولة دون وقوع اشتباكات أخرى فيها.

وبموجب الاتفاق أفرجَت الدولة الإسلامية عن تسعة معتقلين كانوا بحوزتها غير أن لواء "عاصفة الشمال" أصدر بياناً في الثاني والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر اتهم فيه تنظيم الدولة بعدم الالتزام التام ببنود الاتفاق المبرم بينهما وأضافوا أن الدولة الإسلامية لم تُفرج عن جميع المعتقلين لديها ومن بينهم ناشط يدعى محمد نور ويعمل في "مركز اعزاز الإعلامي" وهو اتهام أكدته صفحة "أحرار اعزاز" حيث قالت إن الدولة الإسلامية لم تخلي سبيل جميع المعتقلين لديها بالرغم من مرور ستين ساعة على ابرام الاتفاق.

ورداً على البيان السابق أصدرت الدولة الإسلامية بياناً في الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر وجهت فيه سيلاً من الاتهامات ضد لواء "عاصفة الشمال" من بينها اتهامهم بأنهم ساعدوا قوات النظام على الهروب من مطار "منغ" العسكري ويؤيدون الديمقراطية ويتعاونون مع شركة "بلاك ووتر" الأمنية والمخابرات الأمريكية وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي "جون ماكين" ويدافعون عن جاسوس ألماني وبقطع الطرق واللصوصية. ومن الجدير بالذكر أن هذا التصريح أشار إلى بلدة اعزاز بوصفها "إمارة" وهو مصطلح أطلقته الدولة الإسلامية على مدينة جرابلس التي تعد معقلاً لها في الشمال السوري على الحدود مع تركية.

يبدو واضحاً أن الدولة الإسلامية لم يعد لديها نيّة في تقاسم النفوذ والهيمنة مع لواء "عاصفة الشمال" أو عقد تسوية معهم، وفي الواقع لم يُذكر أن الدولة الإسلامية قامت بإعادة مقرات لواء "عاصفة الشمال" وهو ما نصت عليه اتفاقية وقف إطلاق النار، بل إن الدولة الإسلامية راحت تعزز من مواقعها في اعزاز بنشر القناصين على أسطح المباني وقد نَشر نشطاء البلدة نبأ اغتيال شخص يدعى "مصطفى علي رجوب" برصاص قناص في الثاني والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر.

استمر الوضع في المدينة بالتدهور مع إعلان بعض كتائب الجيش الحر في الرابع والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عن بدء معركة " نهروان" ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهي اسم المعركة التي خاضها الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب ضد الخوارج فيما يسمى الآن بالعراق، غير أن هذه الكتائب سرعان ما ألغت المعركة خوفاً من القدرات العسكرية التي تتمتع بها الدولة الإسلامية.

في غضون ذلك شنت الدولة الإسلامية حملة مداهمات لمنازل النشطاء المشتبه بعدائهم لها بالرغم من اتفاقية وقف إطلاق النار وبالرغم من نشر صور لأشخاص من المدينة في قبضة الدولة الإسلامية، حيث اعتقلت ثلاثة أشخاص يمكن التحقق من أسمائهم وهم: محمد جناد ومحمد رجوب وياسر سلبية.

في السادس والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر أصدرت الدولة الإسلامية بياناً جديداً أمهلت فيه عناصر لواء "عاصفة الشمال" أربعاً وعشرين ساعة كي يعلنوا "توبتهم" ويسلموا سلاحهم، وكانت الساعة الثامنة مساءً بالتوقيت المحلي هي موعد بدء المهلة، وفي أثناء ذلك سُمع صوت إطلاق نار في البلدة مما اعتُبر مؤشراً على تجدد الاشتباكات في البلدة غير أن مصادر مقربة من تنظيم الدولة الإسلامية ذَكرت أن عدداً من مقاتلي لواء "عاصفة الشمال" أعلنوا "توبتهم".

ويجدر التنويه إلى أن الدعوة إلى "التوبة" التي أعلنتها الدولة الإسلامية قد صدرت في "منطقة اعزاز"، أي أنها لا تنطبق على البلدة فحسب بل كذلك على الريف المحيط بها حيث التجأ بعض مع ما تبقى من مقاتلي لواء "عاصفة الشمال". ويُذكر أن مصطلح "التوبة" هو مصطلح تكرر استخدامه في خطاب الدولة الإسلامية، واستُخدم أيضاً للإشارة إلى انشقاق بعض مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) في بلدة تل أبيض بعد طرد هذا الحزب من البلدة على أيدي تحالف ضم الجيش الحر وحركة أحرار الشام والدولة الإسلامية.

يبدو أن بعض الناشطين حاولوا التوسط بين المجموعتين غير أن محاولاتهم بائت بالفشل، في حين أصدرت الدولة الإسلامية بياناً في التاسع والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر أعلنت فيه تمديد مهلة "التوبة" أربعاً وعشرين ساعة إضافية، غير أن أدلة ظهرت على إرسال الدولة الإسلامية المزيد من التعزيزات العسكرية (شاهد الصور في الأسفل) وفي نيتها توجيه ضربة قاضية إلى ما تبقى من مقاتلي لواء "عاصفة الشمال" الذين أصروا على عدم الاستسلام.

الصورة 5: جزء من قافلة عسكرية إضافية أرسلتها الدولة الإسلامية إلى منطقة اعزاز، وظهرت الصورة أول مرة في التاسع والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر.
الصورة 6: رتل عسكري تابع للدولة الإسلامية على مشارف مدينة اعزاز (الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر)
أعلنت الدولة الإسلامية في الثاني من شهر أيلول/سبتمبر انتهاء مهلة "التوبة" ووردت تقارير عن هجوم شنته الدولة الإسلامية باستخدام قذائف الهاون والدبابات على مقاتلي لواء "عاصفة الشمال" الذين رفضوا الاستسلام في الريف المحيط في المدينة، وتلا ذلك مزاعم عن احتماء مقاتلي اللواء بالميليشيات التابعة لتنظيم "وحدة حماية الشعب" الكردي (YPG).

يبدو أن هذه المزاعم تتطابق مع ما حدث في الثالث من شهر تشرين الأول/أكتوبر حيث أكد نشطاء محليون تدمير "الجيش الحر" لدبابة تابعة للدولة الإسلامية في قرية "معرين" في منطقة اعزاز، حيث تخضع هذه القرية لسيطرة تنظيم "وحدة حماية الشعب". ويُذكر أن الاشتباكات ما زالت دائرة حتى اللحظة حيث نُشر شريط مصور في السادس من تشرين الأول/أكتوبر يظهر فيه مقاتلي الدولة الإسلامية وهم يطلقون النار على قريتي "معرين" وقسطل جندو" الخاضعتين لسيطرة تنظيم "وحدة حماية الشعب" الكردي (YPG).

في اليوم ذاته شهدت مدينة اعزاز بعض المظاهرات المناوئة لتنظيم الدولة الإسلامية وصدرت دعوات لإخراج التنظيم من المدينة، ورداً على ذلك قيل إن مقاتلي التنظيم استخدموا الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين.
بغض النظر عن هذه المزاعم التي صدرت عن مركز اعزاز الإعلامي وَردَتْ أنباء متطابقة عن قيام الدولة الإسلامية باعتقال عدد من الأفراد الذين وُجهت إليهم تهمة تأييد لواء "عاصفة الشمال" (وقد وُصفوا بذات الوصف في شريط مصور نشره مركز اعزاز الإعلامي).

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا في ظل اتفاقية وقف إطلاق النار هو لماذا لم يُقْدم لواء التوحيد والكتائب الأخرى على مؤازرة لواء "عاصفة الشمال" أو "عاصفة جون ماكين" كما تسميه الدولة الإسلامية استهزاءً؟ لكن بدلاً من ذلك صدر بيان ضعيف اللهجة في الثالث من شهر تشرين الأول/أكتوبر يدعو الدولة الإسلامية إلى سحب مقاتليها إلى قواعدها في الأصلية في اعزاز كما دعا البيان كلا الطرفين إلى احترام وقف إطلاق النار وأن تُحال الخلافات بينهما إلى الهيئة الشرعية. وتساءل أحد نشطاء المدينة قائلاً: "لماذا تخلى لواء التوحيد عن عاصفة الشمال؟"

ويُذكر أن عدداً من الموقّعين على بيان الثالث من شهر تشرين الأول/أكتوبر هم أعضاء فيما يسمى في وسائل الإعلام ب "التحالف الإسلامي" وهو حلف يرفض الاعتراف بالمعارضة الخارجية ويفضل اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في سورية المستقبلية، إلا أن هذا الحلف لا يعتبر حلفاً رسمياً رغم انتشار خبر تشكيله في كثير من وسائل الإعلام كهذا المقال في صحيفة الواشنطن بوست، ولا يمكن القول إن جبهة النصرة تقود هذا التحالف فقد أرسلَتْ ممثلين عنها من مدينة حلب للتوقيع على البيان وذلك تأكيداً منها على مواقفها التي عبرّت عنها منذ مدة طويلة.

إن المفتاح إلى فهم امتناع "التحالف الإسلامي" عن مؤازرة لواء "عاصفة الشمال" يكمنُ في القرار الذي اتخذته الهيئة الشرعية في مدينة حلب التي تُؤخذ سلطتها على محمل الجد من قبل كتائب وألوية "التحالف الإسلامي" كلواء التوحيد حيث قررت هذه الهيئة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر إدانة لواء "عاصفة الشمال" واعتباره منظمة إجرامية ومنعه من حمل السلاح بحجة أنه ينشر الفتنة بين كتائب الجيش الحر والدولة الإسلامية.

إن سمعة قطع الطرق واللصوصية التي لازمت لواء "عاصفة الشمال" زادت جزئياً في دعم مصداقية إدانته، وهي سمعة اتسمت بها أيضاً ألوية فاروق الشمال الذين سَهّلت الجرائم التي يرتكبونها من عملية طردهم من المدن الشمالية كمنبج وتل أبيض.

وباختصار كانت سيطرة الدولة الإسلامية على مدينة اعزاز عملية استحواذ على السلطة من جانب واحد ويمكن تشبيهها بسيطرة التنظيم على مدينة جرابلس في منتصف شهر حزيران/يونيو بهدف تعزيز قبضته على تدفق المعونات والبضائع القادمة من تركية، وقد يكون الارتياب في نشاطات رجل قادم من الغرب السبب وراء ما قامت به الدولة الإسلامية في اعزاز غير أن هناك ما يوحي بأن الخلاف حول وجود الطبيب الألماني في المدينة لم يكن إلا مجرد ذريعة لطرد لواء "عاصفة الشمال" من المدينة.
الأمر الآخر هو أنه يجدر بنا ألا نُفسّر المشاعر المناهضة للدولة الإسلامية على أنها تأييد للواء "عاصفة الشمال" بالرغم من وجود مناصرين لهذا اللواء في المدينة، وإن الشيء الواضح في هذه المرحلة هو أن الكثير من سكان المدينة شعروا بالتحرر من الوهم الذي لاحقهم، وفي الحقيقة إن الحل للمشاكل في المدينة يكمن في سحب كلا الطرفين لقواتهما من المدينة وترك السكان يشكلون مجلساً محلياً، وهو ما عبر عنه بوضوح النشطاء المشرفون على صفحة "شباب حلب اعزاز".

إن ما كان لواء "عاصفة الشمال" يقدم عليه من أفعال يعكس مشكلة أكبر تواجهها كتائب الجيش الحر التي ليس لها توجه مذهبي أو أيديولوجي عموماً في شمال البلاد، والأعمال هذه هي السبب وراء التصاق صفة اللصوصية والإجرام بهذه الكتائب وهي تتناقض مع الجهود التي تبذلها الفصائل الإسلامية لكسب التأييد الشعبي، وقد قامت كتائب الجيش الحر هذه إدراكاً منها بهذا الأمر باتخاذ طابع إسلامي أقوى حيث أعلن لواء "عاصفة الشمال" دعمه للتحالف الإسلامي وأكد أن الشريعة الإسلامية هي هدف بحد ذاته.

وكخطوة مماثلة أدرجت كتائب فاروق الشمال راية "دار الإسلام" (وهي راية بيضاء كُتبت عليها الشهادة باللون الأسود) في شعارها، وأثناء خلافها مع الدولة الإسلامية في مدينة "الباب" في حلب حاولت هذه الكتائب التأكيد على أنها لا تدعم أي شيئ يعارض الإسلام والشريعة الإسلامية، إلا أن هذه الجهود الرامية إلى كسب التأييد من خلال اتخاذ طابع أكثر تديناً باءت بالفشل.

وفيما يتعلق بالمستقبل، لا يبدو أن الدولة الإسلامية ستنسحب من مدينة اعزاز في المستقبل القريب، وطالما كانت الفصائل المسلحة الأخرى غير راغبة في مؤازرة لواء "عاصفة الشمال" باستثناء تنظيم "وحدة حماية الشعب" الكردي. وفي غضون ذلك تدرك الدولة الإسلامية جيداً أن التقرب من الجيل الناشئ في اعزاز وغيرها هو المفتاح لاختراق قبضتها على المدينة الحدودية.

وفي هذا السياق نُشر شريط مصور يظهر فيه أطفالاً في اعزاز يحملون راية الدولة الإسلامية أمام مقر التنظيم في المدينة ويرددون شعارها وهو "باقية" وهو شعار أو هتاف اقتبس من رسالة صوتية أرسلها قائد الدولة الشيخ أبو بكر البغدادي في منتصف شهر حزيران/يونيو حيث رفض فيها إصرار أيمن الظواهري على فصل الدولة الإسلامية عن تنظيم جبهة النصرة وأن يكون هناك بدلاً من ذلك تعاون بينهما. إلا أن النشطاء المناهضين لوجود الدولة الإسلامية في اعزاز نشروا صورةً كتب فيها "اعزاز باقية" كرد على شعار الدولة الإسلامية.

الصورة 7
وخلاصة القول أن مصير مدينة اعزاز هو شبيه بمصير مدينة جرابلس التي شهدت طرد الدولة الإسلامية لكتيبة الجيش الحر المحلية التي تحمل تسمية "عائلة قادر" في منتصف شهر حزيران/يونيو وظلت منذ ذلك الحين معقلاً للدولة الإسلامية، وقد شنت الدولة حملة قمع ضد نشطاء حزب "الاتحاد الديمقراطي” الكردي (PYD) وذلك بعد الاشتباكات التي دارت بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة من جهة وتنظيم "وحدة حماية الشعب" الكردي من جهة أخرى في مدينة رأس العين، ولا يوجد في الوقت الراهن مؤشرات على ثورة ضد تواجد الدولة الإسلامية في مدينة جرابلس كون الدولة الإسلامية تدير مؤسسات شبه حكومية كمدراس الأطفال، ولك أن تتوقع أن تنشر الدولة الإسلامية في الأشهر القادمة صوراً وأشرطة لهذه المؤسسات في اعزاز.

الصورة 8
أيمن جواد التميمي هو طالب في كلية بريس نوز، جامعة أكسفورد، وعضو في منتدى الشرق الأوسط، يمكنكم الدخول إلى موقعه http://www.aymennjawad.org ومتابعته على تويتر في هذا الرابط @ajaltamimi.